ما الفرق بين العشوائية والضبابية؟

كثيراً ما يتبادر إلى أذهان الذين يتعرّفون حديثاً على المنطق الضبابي ودوالّ العضوية التي تأخذ قيماً بين الصفر والواحد السؤال التالي: "ولكنْ أنا أعرف الاحتمالات، فهي تأخذ قيماً بين الصفر والواحد أيضاً.. أليس هذا مثل الاحتمال؟".

والحقّ معهم لوهلة! فليس التمييز بينهما سهلاً في بداية الأمر، بالذّات مع كون الاحتمال مفهوماً تعلّمناه في المدارس واعتدنا عليه..

(إذا لم تكنْ قد اطّلعتَ على المقالين السابقين اللذين يوضّحان أهمّ المفاهيم في المنطق الضبابي والمجموعات والأرقام الضبابية، يفضّل أن تعود إليهما أوّلاً كي تكتمل الصورة)

ليتّضح الفرق بين العشوائية والضبابية، لنطّلع إلى المثال التالي:

لنفرض أنّ لدينا نادٍ رياضيّ في مدينةٍ ما، فيه العديد من المرافق ويقدّم عدداً من الخدمات.. سأختار شخصاً عشوائياً من تلك المدينة، وسأسأل السؤال التالي: ما احتمال أن يكون هذا الشخص مسجّلاً في النادي؟ هنا توظَّف العشوائية والاحتمالات التي نعرفها.. بحيث نأخذ عدد المسجلين في النادي، ونقسمه على عدد سكان المدينة الكلّي، فيكون الناتج هو ذاك الاحتمال.. ولاحظ أنّ هذا الجواب ثابت دوماً، لأنّي أختار الشخص بشكلٍ عشوائيّ، ولا أدري حقاً -قبل أن أقوم بالتجربة- إن كنتُ سأختار أحد المسجّلين أم لا..

بالمقابل، لنفرض أنّ النادي يتيح لمسجّليه أن يختاروا استخدام جزء من المرافق فقط إن أرادوا أن يدفعوا أقلّ من غيرهم.. هنا سآتي إلى أحد المسجّلين وأسأله: ما هي درجة عضويتك في النادي؟ هنا سيجيبني بكونها عضوية كاملة، نصف عضوية أو ربع عضوية، الخ.. حسب المبلغ الشهري الذي يدفعه..

هل ميّزتم بين السؤالين؟ في الأوّل اخترتُ شخصاً بشكلٍ عشوائيّ، ودرستُ احتمال تسجيله في النادي.. أمّا في الآخر، فيهمّني درجة عضوية كلّ من المسجّلين في النادي..

هذا ببساطة هو الفرق بين العشوائية والضبابية.. ولكن سنورد مثالاً آخر لتوضيح الأمر أكثر، وليكنْ شبيهاً بالأمثلة التقليدية في عالم الاحتمالات..

لنفرض أنّ لدينا صندوقاً فيه أربع كرات حمراء، وثلاث كرات زرقاء..

إذا سحبنا كرةً بشكلٍ عشوائيّ، فيكون احتمال حصولنا على كرة حمراء هو 4 من 7.. هذا ممّا حفظناه واعتدنا عليه..

ولكن، هل كلّ الكرات الحمراء لها نفس درجة الاحمرار؟

في الضبابية، سأنسى فكرة السحب العشوائي، وسأحدّد درجة احمرار كلّ كرة من الكرات الأربعة، أي سأحدّد درجة انتماء كل كرة إلى مجموعة "الكرات الحمراء".. أمّا الكرات الزرقاء، فهي لا تنتمي إلى تلك المجموعة، أي درجة عضويتها مساوية للصفر..

فمثلاً، في الصورة التالية، نعطي قيماً تقريبية لدرجة انتماء عدّة كرات من درجات احمرار مختلفة إلى مجموعة الكرات الحمراء..

باختصار.. الضبابية لا علاقة لها بالتجارب العشوائيّة، بل هي مجرّد حكم منطقي على شيء ما بمدى انتمائه لمجموعة معيّنة.. أمّا الاحتمالات، فهي تدرس النتائج المحتملة لتجربة عشوائية ما..

ولكن.. ما هو الفرق بين تطبيقات كلّ من العشوائية والضبابية على أرض الواقع؟

لنفرض أنّ لدينا مصنعاً للمواد الغذائية، ونريد أن ندرس حركة المنتجات في هذا المصنع رياضياً.. في الحقيقة هناك الكثير من العشوائية هنا، فأنا لا أدري كم زيون سيأتيني في اليوم، ولا أدري ما الكمية التي سيطلبها كلّ منهم، أو متى ستتعطّل الآليّات في المصنع! ولكن تساعدني نظرية الاحتمالات في رسم توقّع معيّن لكلّ ذلك كي أصنّع الكمية المناسبة من المنتجات على أساسها بحيث أضمن تلبية أكبر قدر ممكن من طلبات الزبائن دون أن تكسد لديّ البضائع وتنتهي مدّة صلاحيّتها..

أمّا الضبابية، فتفيدني في التعامل بمرونة أكبر مع بعض الطلبات غير الواضحة، كأن يطلب أحدهم "حوالي مئة طرد"، أو "ألف قطعة تقريباً"، فأستطيع باستخدام الضبابية أن أعبّر رياضياً عن هذه الطلبات، دون أن أضطرّ لتحديد كميّة محدّدة تماماً.. (انظر المقال السابق لتعرف كيف يمكن التعبير عن أرقام ضبابية كهذه بشكل رياضي)

كذلك يمكن للضبابية أن تفيد في مصنعٍ كهذا في كميّة المنتج التي تتمّ تعبئتها في كلّ قطعة، فكثيراً ما نجد على بعض المنتجات مثلاً "200غ ±2%".. وسبب هذا هو عدم قدرة بعض الآلات على تحديد الكمية بشكل دقيق مئة بالمئة، وهذا الفرق قد لا يؤثّر على المستهلك كثيراً، ولكنّه قد يسببّ خسارة كبيرة بالنسبة للمصنع، لذا سيكون مفيداً جدّاً لو استطعنا دراسة الأمر والتعبير عن هذا الفرق الضبابيّ بشكل رياضي.. بعد ذلك، يمكن لأدوات رياضية أخرى، كالأمثلية والبرمجة الخطية أن تساعد في الوصول إلى أكبر ربح أو أقل خسارة ممكنة..

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية رحلتنا مع المنطق الضبابي في هذه السلسلة، والتي نرجو أن تكون قد وضّحت المفهوم بشكل شيّق.. بانتظار أسئلتكم وملاحظاتكم، وانتظرونا في مقالات أخرى في مواضيع شيّقة وجديدة..

 

((للنسخة الإنكليزية اضغط على زر "English" أسفل المقال))

 

مروة تفاحة – Marwa Tuffaha

marwat.math@gmail.com

المصدر:

 Zadeh, L.A., 1965. Fuzzy sets. Information and control, 8(3), pp.338-353.

التعليقات

2

وفقك الله لمزيد من العلم النافع

جميل وواضح